نحن معاشر المسلمين ننتمى إلى أمة أذهلت العالم يوماً من الدهر بصورة الدولة متكاملة الأركان فى الوقت الذى كان فيه تقديس الحكام صناعة شيطانية وتقليداً لا إنسانياً توارثته البشرية كابراً عن كابر، حتى أتت عليه الشريعة الإسلامية من قواعده فنسفته نسفاً، ففى الوقت الذى ما كانت الدنيا تسمع فيه بغير الأكاسرة والقياصرة والأباطرة، كان أبوبكر الصديق يفرق بين كونه ثانى اثنين فى الغار ينزل بشأنه وحىٌ قرآنى وبين كونه مسئولاً سياسياً يصيب ويخطئ، فيقول فى خطاب توليه (فإن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى)، ووقفت الدنيا مشدوهة تنصت لخطاب (ربعى بن عامر) وأصحابه طلائع الفتح الإسلامى فى وجه (رستم) ممثل الديكتاتورية الفارسية، يوم قال له: (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله).
وكتب تراثنا تزخر بمئات بل ألوف الأمثلة توضح كيفية صناعة القرار فى الدولة الإسلامية على كل المستويات من الحرب والمعاهدة والتحالف ومعايير اختيار القادة العسكريين والسياسيين وآليات الإدارة وكذلك آليات حل الخلاف الذى ينشب بين القيادات، وإدارة الكوارث والأزمات.. هذا بخلاف الملامح السياسية للحكم فى هذه الحقبة التى شهدت (ديناميكية) وتطوراً غير مسبوقين مع حفاظها على الركائز الرئيسية التى أشرنا إليها من قبل، ومن ذلك مجالس الشورى (كمجلس الستة الذى عهد إليه عمر بالإشراف على عملية انتقال السلطة إلى خليفةٍ جديد يختاره المسلمون) وأسلوب اختيار الحكام والولاة والقضاة، التعامل بين الحاكم والمحكوم، صور المعارضة أثناء حكم الخلافة الراشدة وكيف كانت مرشدة لخدمة الدولة.. التوازن بين سياسة السوق الحرة وتحقيق العدالة الاجتماعية، إدارة ولايات الدولة بين المركزية واللامركزية وتطبيق العدالة الانتقالية فى الولايات المفتوحة، هذا إلى جانب تجليات مفهوم المواطنة التى بدأت بوثيقة المدينة وتطورت لا سيما مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية إلى دخول الكثير من الفئات غير العربية فى دواوين الوزارة وتقلدهم مناصب عليا فى الدولة على أساس معيار الكفاءة وحدها دون النظر لانتماء عرقى أو (إثنى).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق