نعرف جميعا الارتباط الكامل بين السياسة الداخلية وقدرة الدولة على القيام بدورها فى المجتمع الدولى وحماية مصالحها من القوى الخارجية، ويبدو من قراءة تطورات وصراعات الجبهة الداخلية أن كل اللاعبين ينطلقون فى صراع داخلى محموم وغير مفهوم بينما تحتاج الدولة فى أقرب الأوقات إلى سرعة إصلاح اقتصادها والتعامل مع قضايا الفقر والبطالة وغيرها من الثغرات التى تحد من قدرتها على مواجهة الأخطار الخارجية التى تتعاظم وتتجمع للانقضاض على مصر وتفكيكها حتى تعجز عن القيام بدورها العربى الرائد والقضاء بذلك على الربيع العربى بضربة قاضية على زعامته وأمله فى التحرر.
ورغم ثقتى وصلاتى الوثيقة بكل النخب الوطنية المناضلة التى تقود الصراع الضارى الآن على السلطة إلا أننى أعترف بأننى عجزت عن فهم أسبابه ومضامينه، ولا أرى فيه إلا خطرا جسيم على الأمة فى الوقت الذى توضع فيه اللمسات النهائية لاستكمال السيطرة الكاملة على كل ثروات العرب ومقدراتهم بل وكرامتهم وعزلتهم.
●●●
قامت قوى الشعب الكامنة بثورة مباركة فى ٢٥ يونيو ٢٠١١ وبينما لا يدعى أى فصيل سياسى تفجيرها وأن ساهمت جميعها فى توعية الشعب وحثه على مواجهة النظام الفاسد، فقد شهدنا فى الميدان الروح الوطنية العظيمة الكامنة فى شعب مصر حيث اتحدت جميع النخب الوطنية مع فصائلها بالثورة وقامت بتأييدها فى وحدة وطنية شملت كل ألوان الطيف السياسى والدينى.
وفى أخطر الأخطاء اعتقد الجميع أن الثورة حققت هدفها بذهاب مبارك وسلمت الحكم فى طمأنينة ساذجة لعسكر مبارك فإذا بهم يعيدون تشكيل الدولة العميقة ويرتكبون أخطاء كبيرة فى إدارة البلاد ولعبوا لعبة تفريق شمل الوحدة الوطنية بل والوقيعة بينها ملوحة بالمكاسب لكل منها على حدة. ومن المنجزات الهامة أن الجيش الآن يمارس مهمته الجليلة فى الدفاع عن البلد.
و لا جدال فى أن المشهد الداخلى يموج بتحرك نشط وقوى فى صراع شرس يهدف إلى تعويق مسيرة بناء المؤسسات الديموقراطية بالدخول فى مناقشات وآراء مثيرة للجدل، حيث انقلب القاصى والدانى والمواطن البسيط إلى فقيه دستورى كما جرى إقحام القضاء فى الصراع بينها وبين البرلمان والتأسيسية والرئيس المنتخب برفع عشرات القضايا أمام الدستورية ومجلس الدولة والنائب العام استنادا إلى بقايا الدولة العميقة داخل قضائها الشامخ فتم حل التأسيسية ومجلس الشعب وطلبوا حل التأسيسية الثانية والانسحاب منها، ثم استباحوا هيبة وكرامة الرئيس المنتخب إلى أن صدر الإعلان الدستورى الجديد بتعيين نائب عام جديد وإعادة فتح قضايا قتل المتظاهرين وتحصين قرارات الرئيس فى الفترة الانتقالية لمواجهة هذا الطوفان الذى يهدد كيان الدولة كلها.
والحقيقة الغائبة هنا هى أن مصر مقبلة على مرحلة خطيرة جدا لم تواجه مثلها من قبل وتهدد وجودها ذاته، قال استراتيجيون فى العالم إنه تلوح فى الأفق حرب إقليمية بين دول المتوسط بما فيها تركيا واليونان بقيادة إسرائيل ومن ورائها أمريكا للسيطرة على أكبر مستودع للغاز الطبيعى تم اكتشافه، وتقوم إسرائيل حاليا بإجراءات حربية مكثفة لحراسة الحقول التى اغتصبها من سوريا ولبنان وفلسطين ومصر وهو ما أشرنا اليه فى دعوى قائمة أمام القضاء الإدارى، وليت الأمر تعلق بحرب فى الشمال فقط بل أن مصر فى موقف قد يشطرها للدفاع عن حقوقها التاريخية والقانونية فى مياه النيل، وقد نضطر إلى اعادة تنويع مصادر السلاح وتطوير جيشنا الباسل لمواجهة هذه التحديات الجديدة والخطيرة وفوق هذا وذاك تعمل جهات خارجية على تفكيك الجبهة الداخلية واختراق النسيج الوطنى المتجانس وإثارة النعرات الإعرابية والانفصالية.
●●●
و السؤال هنا هل يمكن للقوى الوطنية أن تمارس صراعاتها داخل القنوات الديموقراطية بدلا من هدم الدولة وتسليمها للفلول وهل يمكنها الانتظار لشهور قليلة لحسم خلافاتها بعد انتهاء الفترة الانتقالية واستكمال بناء الدولة، وأن تقلع عن أسلوب الميادين التى يندس فيها المخربون وتجعل الصندوق وسيلتها للانتصار وتحقيق أهدافها بدلا من هدم المعبد على وعلى أعدائى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق