ورغم أن الحج للمسلمين بدأ منذ عهد الرسالة وسوف يبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإن معظم الحجاج أو كلهم يبيتون كما بات الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه فى العراء فى مزدلفة، فلا توجد أى خدمات باستثناء الحمامات التى لا تليق من حيث المستوى أو الكم بالعدد الكبير من الحجاج، بعض الحملات المنظمة مثل التى كنا فيها، توفر السجاد وفرش النوم ووجبة عشاء لمن سينامون، أما معظم الحجاج وكلهم دفعوا رسوم المبيت والانتقال وغيرهما للمطوفين فلا يجدون حتى شربة ماء يشربونها فضلا عن توفير فرش أو طعام فى مزدلفة، ومعظمهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، لكن روح التكافل والتراحم والمودة بين أناس جاءوا ليغفر الله لهم ويخرجهم من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم تسع معظم الناس وتجعلهم يصبرون على كل ما يلقون، ولأنى أحب التجول بين الناس والتحدث معهم فإنى والله أجد فى نفوسهم رضا عجيبا وصفاء لا حدود له، والمبيت فى مزدلفة على هذه الشاكلة لا يناسب المترفين من الحجاج الذين لا يبيتون ويفدون بالذبح، بل إنهم لا يقومون بمعظم واجبات الحج ويفدون بالذبح، حتى إنى سألت أحد العلماء الذين كانوا معنا فى الحملة: وهل يصح حج دون تعب أو نصب أو واجبات؟ قال لى: الكل يأتى يطلب المغفرة والأجر من الله، لكن الله سبحانه وتعالى هو الذى يتقبل وهو الذى يجزى والأجر على قدر المشقة.
كنت قبل ذلك لا أنام فى مزدلفة؛ فأنا بطبيعتى نومى خفيف للغاية وأى صوت يوقظنى إذا نمت، وفى أجواء الزحام والأصوات العالية لا أستطيع النوم على الإطلاق مهما كنت مجهدا، لكن ما حدث معى فى مزدلفة هذا العام كان شيئا من الخيال، افترشنا نحن الخمسة عشر حاجا الذين قررنا المبيت بعض السجاد على الأرض وجاءوا لنا بأكياس النوم، وما إن وضعت رأسى حتى ذهبت فى سبات عميق وكأنى أنام فى أعظم فندق فى الدنيا حتى إننى حينما استيقظت قبل الفجر بساعة لم أصدق تلك السكينة والهدوء اللذين ملأ الله بهما نفسى وقلبى وأنام عينى رغم الآلاف المؤلفة التى حولى من البشر بكل ضجيجهم وحركتهم وذهابهم ومجيئهم، أنا الذى لا أستطيع النوم مع أى حركة وأستيقظ لأى صوت نمت عدة ساعات بعمق لم أشعر به من قبل وكان نومى على الرصيف فى الشارع وفى العراء حتى إننى حينما استيقظت بقيت مكانى لعدة دقائق أتأمل المشهد من حولى وما كنت فيه، وشعرت لأول مرة بعمق بمعنى قوله تعالى «إذ يغشيكم النعاس أمنة منه».
(نكمل يوم السبت).