بينما مصر موحولة وتغطس في الطين دفع اليها مرسي بعصاه. أصدقاء مرسي قالوا ان هذه العصا هي التي ستتعلق بها مصر وتخرج من بحر الوحل قبل ان تغرق.. بينما قال خصوم مرسي ان هذه العصا اصطدمت برأس مصر فدفعت بها لمزيد من الغوص حتى العنق وهي مرشحة لأن تختفي بالكامل.
مشكلتنا هي اختلاط الأوراق بصورة غير معقولة.. كلنا يؤيد حرية التعبير وليس بيننا من يسعده تكميم الأفواه ومصادرة الرأي، ولكن انظروا مَن الذي يستفيد اذا انتفضنا في وجه من يقيد الاعلام؟ لا يستفيد سوى العكش وادوارد والابراشي!
كذلك ليس منا من لا يحلم بقضاء مستقل لا رقيب عليه الا ضمائر رجاله، ولكن انظروا من الذي يستفيد اذا انتفضنا في وجه محاولات النيل من استقلال القضاء؟ لا يستفيد سوى الزند وعبد المجيد محمود وأصدقائهما!
اذا تحدثنا عن قرار الرئيس بشلح النائب العام فانه ولا شك قرار يسعد شعب مصر، ما عدا من كانوا يتكئون على الرجل لدفن ملفاتهم أو هلهلة قضاياهم قبل ذهابها الى المحكمة.. وعندي ان من يأسون على استقلال القضاء هم أناس نظريون لا يعلمون ان القضاء في بلدنا - الا من رحم ربي - هو سياسة في سياسة وان دور القانون يكاد يتلاشي تحت ضغوط الهوى والميل والحب والكراهية.. فهل يظن أحدكم ان سيل البراءات التي حصل عليها توفيق عكاشة مثلاً في كل القضايا التي حوكم فيها هي تعبير عن قضاء أم عن سياسة؟ ان الرجل لم يقصر بالصوت والصورة في سب وقذف وشتم الرئيس مرسي والمشير طنطاوي والفريق السيسي والمستشارين فاروق سلطان ورفاقه بلجنة الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن الدكتور علاء الأسواني ووالدة الشهيد خالد سعيد وغيرهم كثير، وعلى الرغم من ذلك فانه حصل على البراءة في كل مرة.. فهل هذه أحكام قضائية تستند الى القانون أم ان المستشار الزند قد بر بوعده حين طمأن عكاشة بألا يخشى شيئاً لأنه يسانده؟ وهل مسارعة النائب العام بالتحقيق مع كل من يؤيد الثورة في أي بلاغ ضده مهما بلغت تفاهته ووضحت كيديته، مع ارجاء ودفن وحفظ البلاغات التي ترد ضد أعداء الثورة.. هل هذا قضاء أم انه سياسة؟.. اننا بكل تأكيد نحلم بقضاء مستقل لأنه ضمانة أكيدة لصون حقوقنا، ولكن هل المتصدر الساحة هو هذا القضاء المأمول أم ان المتصدر هم سياسيون يتسربلون بثوب القضاء ويحتمون بحماه؟.
لقد كان المشير طنطاوي ورفاقه في مجلس مبارك العسكري يتولون السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ويهيمنون على القضاء بصورة كبيرة، فعندما أراد طنطاوي الافراج عن الأمريكان في قضية المنظمات الأجنبية وجد رئيساً لمحكمة الاستئناف على استعداد للضغط على القضاة المتولين القضاة لاصدار الحكم المطلوب، فلما امتنعوا وتنحوا قام باستخدام غيرهم ممن قاموا بتنفيذ المطلوب! وعندما أراد طنطاوي حل مجلس الشعب قبل اعلان فوز مرسي بالرئاسة حتى يستولي على التشريع لنفسه وجد كذلك من يقوم بالمطلوب.. ثم ان دخول شفيق الانتخابات هو سياسة وليس قضاء وكذلك اقصاء أبو اسماعيل، حتى ابعاد عمر سليمان عن خوض الانتخابات كان قراراً سياسياً اتخذه طنطاوي ولم يكن مستنداً الى قواعد قضائية!.كل هذا فعله المجلس العسكري ولم يكن منتخباً ولا مستنداً لأي شرعية.
ستقولون نعم كان المجلس العسكري مستولياً على كل السلطات، ولكن هل تريد لمرسي لمجرد أنه منتخب ان يكرر ما فعله المجلس العسكري ويضيف اليه تحصين قراراته؟ والاجابة: طبعاً لا.. لا أريد ولا أقبل ان يحوز الرئيس كل هذه السلطات والصلاحيات مهما حسنت نواياه، ولا يسعدني ان يحصن مجلساً سخيفاً لا قيمة له هو مجلس الشورى من الحل.هذه هي قناعتي ولكني في الوقت نفسه مندهش من ان أصحاب أعلى الأصوات في مناهضة قرارات مرسي لم يسوؤهم أبداً استبداد وديكتاتورية حسين طنطاوي واستخدامه صلاحياته الالهية أسوأ استخدام!. ورأيي ان مخاوفنا من الاستبداد والديكتاتورية هي مخاوف في محلها مهما طمأنونا وحاولوا اقناعنا بأن الأمر كله مجرد شهرين وبعدها تتولى كل المؤسسات دورها، لكني على الرغم من هذا لا أدري ماذا كان يفعل مرسي اذا أقال النائب العام تنفيذاً لأهداف الثورة ثم ترك أصدقاء الرجل وزملاءه يفصلون في الطعون التي كانت ستقام ضد القرار ويعيدون عبد المجيد محمود على الرغم من أنف شعب مصر؟ حقيقة أنا في حيرة وأشعر بأن المعارضة العنيفة لمرسي في كل قراراته الجيد منها والرديء قد جعلت الرجل ييأس من ارضاء خصومه لأنه أدرك عدم موضوعية الكثير منهم، وفهم أنهم لا يريدون منه ان يُصلح لكن يريدون منه – بالعربي- ان يرحل ولن يقبلوا سوى برحيله.. لقد أدرك هذا بعد أيام من توليه السلطة عندما نجح في فك أسر الصحافية التي كانت محتجزة في الخرطوم واصطحبها معه على الطائرة الى مصر، فقالوا: هذا واجبه والطائرة مملوكة للمصريين! وازداد يقينه بذلك بعد ان أقال طنطاوي وعنان وكان هذا مطلباً ثورياً فثاروا ضده واتهموه بالخروج على الشرعية! ثم يأتي العدوان على غزة ويكون للرجل موقف واضح في ادانة العدوان ثم ينجح في وقفه وعلى الرغم من ذلك يهاجمونه على موقف جدير بالتقدير!.أعتقد ان مرسي أصبح بفضل هؤلاء أشبه بمن سدوا في وجهه باب الرحمة فيئس منهم وقرر ان يكون كما يصورونه.. فليشربوا اذن.. أو فلتشرب مصر!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق