أيضًا من المفارقات الغريبة، أن البلدة التي شهدت مذبحة قطار الموت في أسيوط، والتي راح ضحيتها عشرات الأطفال الأبرياء على مزلقان الموت بسبب استهتار خفير المزلقان، صوتت لصالح الدستور، وكان الإعلام الخاص الموالي بكامله لجبهة الإنقاذ وفلول النظام السابق والمعادي للدكتور محمد مرسي على طول الخط قد أثار ضجة كبيرة واتهامات متتالية لرئيس الجمهورية بالمسؤولية عن هذه الكارثة وكان هناك إلحاح على مدار الساعة لعدة أيام لتحميل الرئيس مرسي وسياساته المسؤولية عن هذا الأمر، وطالبوه بإقالة رئيس الحكومة، أسوة بمطالبته هو أيام كان نائبًا بالبرلمان بإقالة رئيس الحكومة لحادث مشابه أيام مبارك، رغم بديهية الفارق بين الواقعتين، لأنه من العبث أن تقارن رئيس حكومة لم يمض على توليه منصبه أكثر من ثلاثة أشهر برئيس حكومة كان قد جلس على "قلبها" عشر سنوات يفترض أنها كانت كافية لوضع خطط إصلاح وتطوير وتأمين، المهم أن المفاجأة أتت عندما انحازت تلك القرية تحديدًا لسياسات الرئيس محمد مرسي ودعمت موقفه في الدستور الجديد، وأتت نسبة التصويت فيها الأعلى على الإطلاق في عموم مصر، 90% موافقون.
نحن أمام شعب ذكي، وحتى المواطن الذي لا يقرأ ولا يكتب، تجد عنده من الوعي والذكاء والألمعية والإخلاص لهذا الوطن ما يفتقده بعض من يقدمون أنفسهم كنخبة، وأنا أندهش جدًا من احتقار المعارضة للشعب ومعايرة الملايين بأنهم أميون، رغم أنه ليس ذنبهم وإنما مسؤولية نظام فاسد وظالم، كما لا يقدح في وعيهم وذكائهم واختيارهم أنهم لم يذهبوا لمدارس، كما أن الذين باعوا مصر في الحقيقة كانوا هم النخبة، والذين نهبوا المليارات وهربوا قوت الشعب للخارج هم النخبة، والذين تحالفوا مع الديكتاتور مبارك كانوا نخبة وأكاديميين وخبراء وأساتذة جامعات وقانونيين وخبراء دستور، والذين غدروا بالثورة وتآمروا عليها كانوا من خريجي جامعات مصرية وأجنبية، والإعلاميون الذين تغزلوا في مبارك وامرأته وعبقرية أنجاله وضللوا الشعب ومارسوا القمع الفكري له ثم لبسوا ثوب الوطنية والثورة هذه الأيام كانوا نخبة، والقتلة الذين مارسوا التنكيل بالشعب طوال عشرات السنين كانوا من النخبة، والذين أدخلهم فاروق حسني حظيرة حسني مبارك كانوا أدباء ومثقفين ونخبة، وهؤلاء الدجالون الذين يتاجرون باسم الشعب الآن أيضًا من هؤلاء، فقليلًا من التواضع للحقيقة والاحترام للشعب الأصيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق