29‏/10‏/2012

ألقاب مملكة فى غير موضعها - معتز بالله عبد الفتاح

أكمل المقال

معتز بالله عبد الفتاحفى فترات الانهيار العظيم ترتفع الألقاب فوق السحاب، وقد سجل هذا شاعر أندلسى، اسمه ابن شرف، عاش فى فترة من أسوأ فترات الضعف والهوان فى تاريخ الأندلس حيث قال:

ومما يزهدنى فى أرض أندلس قول معتصم فيها ومعتضد

ألقاب مملكة فى غير موضعها كالهر يحكى انتفاخاً صولة الأسد

والعبارة توضح المعنى أن الخلفاء اختاروا لأنفسهم أسماء فخيمة من قبيل «المعتصم بالله» و«المعتضد بالله» فى حين أن أحدهم يؤمن بالله خالقاً ويكفر به هادياً كما قال ابن خلدون، والأمر ليس بعيداً عما ذكره الجبرتى وهو يؤرخ للفترة السابقة على الحملة الفرنسية مباشرة حيث انتشرت ألفاظ من قبيل «عالم علماء الديرة» و«عين أعيان البلد».

إن هذه الأسماء نفسها، وما يرتبط عادة من متاجرة بها، دليل قاطع على أن المجتمع يشهد انهياراً يعوضه بأن يطلق على حلاق الصحة «الدكتور» وعلى الميكانيكى «الباش مهندز».

وهنا تفقد الكلمات معناها ودلالاتها وتصبح مجاملات لتعويض الشعور بالنقص، هذا محلل استراتيجى، وهذا فقيه دستورى، وهذا ناشط سياسى وهكذا من ألقاب دلالتها غير واضحة إلا على سبيل المجاملة.

أريد أن نعود إلى مصطلحات أقل غموضاً وأكثر تعبيراً عن حقائق وليس أمنيات أو خدع زائفة، مثلاً: فلان الفلان هو أستاذ القانون الدستورى أو القانون الجنائى أو القانون الإدارى فى جامعة كذا (هذا أفضل كثيراً من مجرد: فقيه دستوري)، وفلان الفلانى هو لواء أركان حرب متقاعد بالجيش المصرى، وفلان الفلانى هو طبيب أو محامٍ أو مهندس ومن الداعين لمظاهرة كذا أو مسيرة كذا.

الطبقة السياسية التى كانت حاكمة لمصر ما قبل الثورة اختفت إجمالاً مع استثناءات قليلة، وأخشى أننا نستبدلها بطبقة جديدة مصابة بنفس الأمراض ولكن فى الاتجاه المضاد. ظاهرة «المنتفعين من الثورة» لها ثلاثة مداخل: أولئك الذين يساوون بين الثورة والفعل الثورى، وبين الثورة وبين أنفسهم، ويرون أنهم أصحابها وحدهم، ويرون أن هدوء الأحوال وهم ليسوا فى مقاعد السلطة «خيانة للثورة» لأنه «خيانة لأنفسهم».

وهناك مدخل توزيع صكوك الثورية والوطنية على أصدقائى ومن يتفقون معى وتوزيع صكوك الرجعية والفلولية والخيانة الثورية على كل من يرفضون توجهى.

وهناك مدخل شغل حيزاً أكبر من الحيز الذى يليق بالإنسان بادعاء العلم والمعرفة والخبرة والتخصص فى أى مجال طالما فيه «سبوبة» مثلما يفعل الجزار المصرى الذى لا يجد عملاً فى دولة خليجية ولكنه مستعد أن يعمل «كهربائى» إن دعت الحاجة طالما أنها «سبوبة».

عيوب المصريين كثيرة، وكنت فى فترة سابقة من حياتى أعتقد أن كلام سلامة موسى وفؤاد زكريا وجمال حمدان والزكى النجيب محمود عن عيوب الشخصية المصرية من قبيل المبالغة، ولكن بمرور الوقت اكتشفت أن عواراً حقيقياً قد أصابنا وأن المقومات الأخلاقية والفكرية للنهضة بعيدة عنا، المسألة ليست أن نضع «فيشة» النهضة والحضارة فى «الكوبس» وستسير سيارة الوطن فى الاتجاه الصحيح.

«الفيشة» بحاجة لتصنيع، و«الكوبس» بحاجة لتطوير والسيارة متهالكة بحاجة لعمرة شاملة.

ولنحاول ما دام فى العمر بقية.