29‏/10‏/2012

التجنيد.. فرصة أخرى مهدرة! - محمد عبد المنعم الصاوي

أكمل المقال

محمد عبد المنعم الصاويكثيرة هى الفرص المهدرة فى بلدنا.. أمر لا يختلف عليه أحد، وهو واقع يقبل القياس والانطباق على كافة مجالات حياتنا وأنشطتنا الإنسانية: فى الاقتصاد والسياسة تضيع فرصة بعد أخرى، فى الإسكان والمرافق العامة، فى الطرق والمواصلات، فى التعليم والصحة، فى التجارة الداخلية والخدمات، فى العلاقات الدولية.. فيها كلها نهدر فرصاً بلا حدود، إلا أننى أعود دائماً إلى بناء الإنسان وثقافته كركيزة لكل أحلام الإصلاح والتنمية التى نتطلع إليها جميعاً.

كثيراً ما قلت لنفسى: إن خُطب الجمعة فى المساجد، وعظات الأحد فى الكنائس، فرصة رائعة لتصحيح المفاهيم وبناء الشخصية المصرية العصرية المتوازنة.. غالباً ما تهدر هذه الفرص، بل وتتحول الخطب والعظات إلى مؤثرات سلبية!

أعتقد أن الاهتمام بخمسين ألفاً ممن يتصدون أسبوعياً للخطاب الدينى قادر وحده على تغيير مصر.. قادر على تغيير الدنيا.

كذلك آمنت منذ زمن بعيد بأن الاهتمام بالمعلم من كافة الوجوه يقلص الكثير من مشكلاتنا الحالية، ويقضى على كل مشكلات المستقبل.

الإعلام أيضاً فرصة مهدرة، فقد كان بوسع الإعلام -لو طبق معايير الاحتراف والمسئولية- أن يتصدر المشهد فى بناء الإنسان المصرى.. أمر لن يستمر طويلاً بإذن الله، خصوصاً بعد أن اقتنع الجميع بضرورة تطوير المنظومة الإعلامية، وتعميق مسئوليتها من خلال تأسيس وحدة للتنظيم الذاتى!

إن أبسط مظاهر التشوه الإعلامى يتجسد فى انتشار ذلك العار الفكرى المتمثل فى خرافات البخت وصفات أبناء الأبراج، وكلها إهدار لقيمة الإنسان الذى كرّمه الله وميّزه عن سائر المخلوقات، وأتى نجوم الدجالين «ليلحسوا عقله».

لا شك أن الإعلام والتعليم والخطاب الدينى فرص مهدرة يرصدها الكثيرون، لكن فرصة أخرى لبناء الإنسان ضاعت نتيجة لعدم خضوع أهم مؤسساتنا للمحاسبة.. فرصة تمس حياة أغلب الشباب المصرى وهو على أعتاب سوق العمل: يكون الشاب فى هذه الفترة من عمره مليئاً بالحيوية والحماس والأمل، ليجد نفسه وأهله ومعارفه وأصدقاءه فى حالة بحث عن منقذ.. هكذا ينظرون إليه: عسكرى له صوت مسموع فى التجنيد! وقد أثبت الزمن أن بعض «الصولات» يقوم بهذا الدور أفضل من عميد قديم على وشك الترقى.

أتذكر تلك الفترة من عمرى، حينما كان العثور على واسطة أو «كوسة كبيرة» فى التجنيد هو شغل الجميع الشاغل!! لا أنسى ذلك الكابوس الذى عشناه فى يوم الكشف، وأتعس صوت سمعته فى حياتى: «الكِوَس» هنا (أشار إلى ناحية)، والباقون على الجانب الآخر.

مصيبة صوتية أن تُجمع الكوسة على «الكِوَس» بكسر الكاف وفتح الواو، ومصيبة أخرى أن نكتشف أن عدداً يقل عن أصابع اليد الواحدة هم من جاءوا بغير واسطة.

مصيبة المصائب أن ترتبط أعظم المشاعر الوطنية وأشرف ساحات التضحية بالاستثناءات التى تؤسس للظلم، وتهدر أهم مبادئ العدالة، ألا وهو تكافؤ الفرص والمساواة!

بكل أسف ارتبط التجنيد أيضاً بإهدار الكرامة كوسيلة لإحكام السيطرة على هؤلاء المدنيين الوافدين من كل أشكال وألوان الشعب.

أعرف أن تطويراً طرأ على عملية التجنيد فى ربع القرن الذى أعقب انقضاء تجربتى المريرة، أتساءل: متى يتنافس الشباب على الالتحاق بالتجنيد.. متى يطير النوم من عين الشاب ليلة تقدمه للتجنيد فرحاً ولهفة على خوض تجربة فريدة يحقق فيها ذاته، ويشعر برجولته؟

أعتقد أن القائمين على الجيش الآن قادرون على تحقيق ذلك، وأظنهم سيفعلون.